البيجامة قصة قصيرة بقلم عماد محمد سالم
صفحة 1 من اصل 1
البيجامة قصة قصيرة بقلم عماد محمد سالم
فى قرية من قرى محافظة الشرقية
, وشمس خاصة لا تشرق الا فى هذه القرية , وليل يخبأ ورائه طهر النفوس وشيم الكرام , وخضرة
تنضح بها القلوب والمكان , وبحر النيل
مملوء بالبركة التى تجرى فى القناوات فتروى كل غيطان القرية , فتنبت رجالا طيبين ,
ونساءا طاهرات , وصغارا تملئ الدنيا حياة وضجيج , وبيوت القرية المبنية بالطوب
النى الذى يشع دفئا وحميمية تحيط بساكنيه .. شوارع واسعة وقلوب أوسع من الشوارع
,وخير يطمئن كل قاطنى القرية .. دوار كبير يملكه الحاج عبد الله يعيش فيه مع زوجته
وأولاده يشبه قصرا مبنيا بالطوب النى . بوابة
كبيرة فى أخرها سلاملك درجاته من الرخام تصعد عليه لتقابل فناءا واسعا خال من
الأبناء الا مجدى .. وحيد يفكر بصوت مسموع .. أبدا لن
أرتدى البجامة ..هذه المرة .. مابال أمى تنظر الىّ دائما على أنى طفل صغير
وكيف أرتديها ؟ وأصبح شاذا عن أقرانى فى
القرية , فجميعهم يلبسون (جلاليب) ويضحكون
ويسخرون من بجامتى ... وأنا قد كبرت
وأصبحت رجلا وأتممت التاسعة من عمرى , وكل
الناس تعرفنى جيدا وسمعت أحدهم يوما يكلم أخر قائلا
: إن مجدى ابن الحاج عبد الله رجل من ظهر رجل... أنه يصلى كل الفرائض فى المسجد مع الرجال ويجلس
معهم ويطوف على كل المصلين ويسلم عليهم جميعا فور أنتهاء الصلاه .. والله لن ألبس هذه البجامة
.. لقد أصبحت رجلا .. ولابد أن أقول لأمى هذا , وفى
وجهيها , ولماذا أخاف ؟ ماذا
ستفعل بىّ ؟ .. لن تفعل شئ ..
أنا أعرف .. أنها تحبنى كثيرا , نعم تحبنى , ولاترفض لى طلب أبدا , أعلم هذا .... فقد كانت أختى كريمة دائمة الأعتراض على أفراط
أمى فى حنانها علىّ , وتدليلها لىّ , وأتذكر
يوم السوق , حين خرجت من البيت فى السابعة صباحا , أنا وأقرانى من القرية , وذهبنا
الى السوق , وكنا ننتظر يوم الثلاثاء بفارغ الصبر , كى نذهب
الى السوق , ونأكل الطعمية الساخنة الشهية اللذيذة المغطاه بالسمسم .. عم محمود طعمية أفضل واحد يقوم بطهى الطعمية فى
الحسنية .. بل فى مصر كلها , بل فى العالم ... بمجرد
دخولنا السوق أستقبلتنا رائحة الطعمية , وجذبتنا تجاه عم محمود ....لأقف أنا فى
طابور طويل لأتمكن من شراء الطعمية , تحرك الطابور, وجاء علىّ الدور, أعطيته
النقود, وأعطانى الطعمية بوجه باسم لا تفارقه البشاشة , قمحى يشبه الخبز الصابح ,
بأحمرار فى الوجه من حرارة الزيت الذى يقلى فيه الطعمية ويقف أمامه بالساعات , أخذت
الطعمية وقسمتها على أقرانى كلا منهم واحده وأحتفظت بباقى الطعمية الذيذة لىّ ,
ولما لا وأنا الذى دفعت ثمنها بالكامل, وحدى, وتحملت مشقة الوقوف فى الطابور وحدى
,...
أكلنا ولعبنا وفرحنا بالسوق وضحكنا
.. فضحكت علينا الشمس, وهربت منا مخلفة
ورائها مغربا .. فليلا ..فأنتظار الأهل , والخوف علينا والقلق , لقد تأخرت كثيرا
.. تسلل الى داخلى خوف عظيم .. لن أفلت هذه المرة
,سوف تقوم أمى بمعاقبتى ليتنى
عندما أصل الى البيت أجدها نائمة أو صاحية تصلى العشاء ويضع الله فى قلبها شفقة علىّ,
وتسامحنى (ربنا يستر)_ على
باب الشارع أمى واقفة, متحفزة ..كأنها عازمة على فعل شئ غامض وخطير أننى خائف جدا
.. قلت
السلام عليكى يا أمى .. أعرف أنى أخطأت فسامحينى, أرجوكى سامحينى , ولن أذهب الى
السوق دون علمك بعد اليوم أبدا... بكل حنان ودون تفكير
سامحتنى .. فجن جنون
كريمة أختى الكبرى ..طبعا ..أنه مجدى المدلل..حبيب القلب ..لو كنت أنا
لقمتى بتكسير عظامى .. أما هذا فهو الأستاذ مجدى ..الطيب . المحبوب الذى لا يضرب
أبدا ..هذا حرام ..أنك تفرقين فى المعاملة بيننا . ليتنى صرت ولدا أسمه مجدى
....._
ستسامحنى أمى هذه المرة أيضا .. سأقول لها بكل جراءة .. يا أمى
لن أرتدى هذه البجامة أبدا , وأريد جلبية مثل كل أقرانى .. كيف أرتدى هذه البجامة ؟ وكل واحد منهم فخور أنه يلبس جلبية تشبه جلبية
أبيه .. أفهمينى يا أمى ...
لاأريد أن أكون مختلفا عنهم,أنهم أصحابى وأنا أحبهم وأحب أن أكون مثلهم ..أكل ما
يأكلون وألبس مايلبسون , فأنا واحد منهم .. ويكفى أنى حينما دخلت المدرسة , وكنت سعيدا لأنى
دخلت قبل السن وشفع لى جسمى فقد كنت طويلا , وكان مدير المدرسة صاحب والدي ويتمنى أن يقدم له
أية خدمة ..
فوجئت يومها أن المدرسين ينادوننى نجدى وليس مجدى.. حزنت
كثيرا , فأنا أحب أن أكون أنا (مجدى) وليس هذا الشخص الجديد الذى يأتى بعد خمسة
سنوات ويقول أنه أنا, وأننا أنا وهو أسمنا
نجدى .. مستحيل أن أحمل هذا الأسم وحدى , فأكون أنا الوحيد فى القرية أسمه نجدى . بل فى المحافظة, والعالم الذى
أعرفه ,
فلم أسمع هذا الأسم من قبل , ولم
أقابل أحدا أسمه نجدى .. لا أستطيع أن أكون الوحيد فى قريتى أسمه نجدي ,
والوحيد الذى يلبس بجامة .. لن أرتدى هذه
البجامة .....
لا أريد أن يحدث ما حدث لى عندما أردت أن أعمل فى الغيط مع كل أقرانى, فكلهم تركونى وذهبوا للعمل فى الغيط , فمع من ألعب ؟
وماذا أفعل ؟ الحل الوحيد أن أعمل معهم , كى أبقى معهم
, مع إنى لا أحتاج الى النقود . .توجهت الى عم أبراهيم
الخولى وطلبت منه أن يسمح لى بالعمل فى الغيط حتى ولو بدون أجر ..لإنى انا أريد أن
أبقى فى صحبة أقرانى .. أرجوك أسمح لى .. نظر الىّ عم أبراهيم , وكنت ألبس وقتها بجامة
كانت جديدة , وقال لىّ (وهو يتفحص البجامة التى كنت أرتديها) أعقل يا مجدى .. أن كل هؤلاء الرجال يعملون عند أبيك ..وأبوك
سيغضب كثيرا أذا علم أنك تعمل فى الغيط ..أذهب بالله عليك حتى تحافظ على بجامتك
الجميلة .. عرفت وقتها أن عم أبراهيم رفض
أن أنضم الى أقرانى فى العمل لأنى ألبس بجامة.. فأنا طفل لا ألبس جلبية مثل الرجال .. لن أرتدى بجامة ثانية أبدا .. وسوف أقول لأمى هذا
.. لن
أرتديها ويحدث ما يحدث . = سمعت صوت.. أقدام أمى .. نعم أمى قادمة , فأنا أعرف صوت أقدامها .. إنها أتية أليّ
.. نعم أنها فرصة ..
أخذت نفسا طويلا عميقا..وقررت أن أعلن رفضى أرتداء البجامة , وسأواجهها برغبتى مهما حدث , أنها لن تؤذنى ..أنها تحبنى أعرف ذلك ..
نعم سأقول لها أنى لا أرغب فى أرتداء البجامة هذه , ولا اية بجامة أخرى
, فقد صرت رجلا , ولا أريد أن ألبس بجامة مثل الأطفال ..
دخلت أمى ,فقبلت يدها , قالت مارأيك فى البجامة
الجديدة يا مجدى ؟ لم أتردد لحظة واحدة ..جميلة يا أمى أنها رانعة
..وكل شئ منك رائع , ولبست البجامة , وخرجت ألى أقرانى لأصبح
الوحيد الذى يلبس بجامة فى القرية كلها ....
مواضيع مماثلة
» المفارق قصة قصيرة بقلم عماد محمد سالم
» عبداللطيف المصرى قصة قصيرة بقلم عماد محمد سالم
» الأهوج قصة قصيرة بقلم الشاعر عماد محمد سالم
» عضة كلب قراءة بقلم عماد محمد سالم
» السكاكين قراءة بقلم عماد محمد سالم
» عبداللطيف المصرى قصة قصيرة بقلم عماد محمد سالم
» الأهوج قصة قصيرة بقلم الشاعر عماد محمد سالم
» عضة كلب قراءة بقلم عماد محمد سالم
» السكاكين قراءة بقلم عماد محمد سالم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى